"تنفرد إدارة موقع "أزيلال زووم azilalzoom.com " بنشر مقدمة أولى فصول مشروع عمل روائي لكاتبه الحسين حجيرة ،ابن اقليم أزيلال ،كنافذة على القراء في موعد أسبوعي على عمودها " فن وثقافة " ، في أفق إصدار الرواية بصيغتها النهائية ـ الإدارة ".
بسبب الفقر والمجاعة والجفاف وعمل الكلفة ، اضطر مجموعة من الجنود المغاربة وافارقة المستعمرات الفرنسية ، لمغادرة اوطانهم نحو الغرب ، انخرطوا في الجيش الفرنسي ، وشاركوا في الحرب العالمية الثانية والهند الصينية ، وبعد احالتهم على التقاعد ،منهم معطوبين ، عادوا الى قراهم من جديد ليعيشوا حياة البدو و الرعي والفلاحة ؛ ترى ، لماذا فضلوا العودة إلى أرض الوطن عوض البقاء بالمهجر ؟
في هذا الصدد ، اتخذ الكاتب شخصية " عمي" بطلاً لروايته :
عمي، رجل مسن في الثامنة والتسعين من عمره. قبل سنتين حظي بتكريم من طرف السلطات الفرنسية في ذكرى تحرير فرنسا من السيطرة الألمانية. كانت حفلة التكريم رمزية على ظهر سفينة " شارل ديغول "تسلم خلالها وسام الشرف وجلبابا وسلهاما وعكازا يتكئ عليه، لا يفارق يديه .
إنه رجل متوسط القامة، نحيف الجسم ،أبيض الشعر، يحلق ذقنه بإنتظام ، يرتدي جلبابا صوفيا وحداء جلديا وعمامة بيضاء على رأسه؛ فقد جميع أسنانه، لا يتناول إلا الرطب من الطعام .
تساعده نظارته الطبية على رؤية القريب منه يمشي ببطء ، متكئاً على عكازه.
في بيته سرير ينام عليه بجانبه صندوق حديدي مملوء بالأوراق ،بعضها يليق والبعض الآخر لا يليق. فوق الصندوق وضع مذياعا يستمع من خلاله للأخبار وخاصة أحوال الطقس ومواقيت الصلاة ،و بجانبه منبهُُ لكي يعرف من خلاله الوقت.
يستيقط باكرا وبيده اليسرى مصباح يستضي به الطريق إلى المسجد ، يلتقي بالمؤذن" سي عدي " في المسجد .
هو رجل مسن في التسعينات من عمره ،جاره ومن عائلته ، تشاركا معاً طفولتهما وشبابهما ، واليوم يعيشان شيخوختهما معا بين المنزل والمسجد .
الموذن رجل قصير القامة، نحيف الجسم، ذو لحية خفيفة .
تعلم القراءة والكتابة في المسجد صغيرا وتأهل لممارسة "تعطارت" في شبابه حيث كان بائعا متجولا يطوف ببضاعته المحمولة على دابته ، الدواوير والمداشر المجاورة الخالية من الدكاكين ، يُمكٌِن الأهالي من اقتناء حاجياتهم بين أيام السوق، حيث لا تذهب النساء.
كان المؤذن يعرض ما تحمله دابته (الحمار) من بضاعة على هؤلاء النساء اللواتي يتقدمن نحوه بمجرد سماع صوته " العطار العطار ..."، تاركات أشغالهن تجذبهن الفضول لرؤية الجديد من السلعة التي يعرضها العطار من ملابس وأواني منزلية ووسائل الزينة (المسواك. الحركوس والكحل والمريا الصغيرة ...) لكي يتفرغ إلى زبوناته، يوزع قطع الحلوى على الصغار بالمجان لتسليم البيض والشعير والقمح والزيتون واللوز ثمنا لبضاعته بعد مناقشته مع النساء مستغلا أميتهن ليحصل على ربح خيالي أحيانا !
كان يوما الثلاثاء والجمعة على مدار السنة كافيين لنسج علاقات وطيدة مع أهالي القبيلة الذين لمسوا فيه الطيبوبة والعفة حيث لا يغار منه الرجال على حديثهم ، وأصبحو يزودونه بغلاتهم.
وبعد تجاوز الزمن لمهنته، اتجه نحو المسجد لاستكمال حفظ القرآن الكريم ، والقيام بمهام الإمام أثناء غيابه، وإعلان الوفيات عن طريق شريط قراَني في بيته من المحراب إيذانا بالوفاة،فيكون أول من يعزي أهل الفقيد بل ويغسله ويكفنه ويصلي عليه صلاة الجنازة إن اقتضى الأمر ذلك. كما يحضر جميع المناسبات في الدوار من أعراس وولائم ومواسم حيث يختمها بالدعاء ؛ بل ويلتقيهم يوم السوق في خيفته ليحاورهم على أحوال القبيلة ويزودهم بأخبار القبائل الأخرى متبضعين منه حاجياتهم الأسبوعية من مواد غدائية وغيرها.
ـ صباح الخير سي عدي
ـ يرد المؤذن : صباح الخير "عمي" كيف حالك وحال العيال.
ـ بخير، الحمد لله الذي أطال أعمارنا لنلتقي في هذه الساعة المباركة .
بعد هنيه ، يلتقط "السي عدي" أنفاسه.
وحين وصول وقت الأذان، يصعد إلى سطح المسجد، ينادي للصلاة بصوته الذي ألفه الجميع.
خرج " السي حمو" ، إمام المسجد، من منزله المجاور لصلاة الصبح بمعية الحاضرين من أهالي القرية و تلامذته ،حفظة القرآن ، لينصرف الجميع إلى أشغالهم ويبقى " السي حمو" وتلامذته لقراءة الحزب الصباحي بحضور السي عدي داخل المسجد المبني بالطين والحجر المسقف بالخشب، به مكان لإقامة الصلوات الجماعية ،مفروش بالحصير ،والمقصورة مكان مقدس لا يدخله إلا المصلون، بجانبها بهو كبير توقد فيه النار لتسخين ماء الوضوء والاغتسال ،يزودوه سكان القرية بالحطب، إذ يخصصون يوما كاملا يجلبون فيه الخشب من الغابة المجاورة أو بالتناوب ،وفي ركن منه مكان مخصص لإيواء المتسولين والمسافرين والباعة المتجولين وأحيانا متشردين، هم بمثابة ضيوف المسجد .
يقدم لهم الناس ما تيسر من وجبة العشاء والكلأ لمن يرافق دابته ،كما يسكنه تلاميذ السي حمو "حفظة القرآن " الذين قدموا من الدواوير المجاورة بعد أن يتناول كل واحد منهم وجباته عند أحد الأسر التي تتكفل به. ...(يتبع)