أزيلال زووم/عبد العزيز المولوع
يشكل مركز الامل للاشخاص في وضعية صعبة بازيلال ، في حقيقة الأمر أكثر من مجرد مبنى استقبال ، ليصير سقفا متينا وملاذا آمنا، يوفر لهؤلاء المحرومين ظروف إيواء كريمة ، ويحفظ كرامتهم الإنسانية.
بهذه المعاني ، يجسد هذا المركز ، الذي تم إحداثه سنة 2021 من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتمويل يبلغ 1550442.00 درهم العناية الفائقة التي توليها المبادرة لجزء من الساكنة الذين يعيشون على هامش المجتمع ، من أجل مساعدتهم على اختيار مسار لوجودهم بعيدا عن أخطار الشارع.
وشيد المركز على مساحة 387 متر مربع ، ويتكون من قاعة الاستقبالات ، مكتب الإدارة ، قاعة متعددة الأغراض ، قاعة الطعام ، مطبخ ، مرحاض ، 4 مساكن بحمام خاص لكل واحد وتبلغ طاقته الايوائية حوالي 27 شخصا ،و يوفر المركز لنزلائه الدعم من أجل مساعدتهم على الخروج ومغادرة عالم الشارع للأبد ، مما جعل منه مؤسسة للاندماج الاجتماعي بالدرجة الأولى، وفضاء للحياة وتطوير الذات وفرصة لهؤلاء النزلاء لإعادة بناء ذواتهم، والتخلص من التشرد بشكل نهائي.
وفي البداية، شرع المركز، في استقبال نزلائه في بناية بوسط المدينة قبل ان تتظافر جهود مشتركة بين سلطات أزيلال والمجلس الإقليمي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وتقوم ببناء بناية خاصة بالمركز بمواصفات دقيقة تجسد نموذجا عمليا لمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (المرحلة الثالثة)، التي تروم تحسين الظروف الإنسانية الصعبة للأشخاص بدون مأوى، والعمل على إدماجهم في المجتمع من خلال زرع بذرة أمل مضيئة في الجانب المظلم من حياة العديد منهم، وفق ما أورده هشام أحرار، رئيس العصبة المغربية للتربية الأساسية و محاربة الأمية فرع ازيلال الهيئة المشرفة على هذه المنشأة.
وأوضح أحرار ، يكفي ان تلمح عينك حالة شخص يتخذ من الشارع ملجئا له او شخصا يعاني من ضائقة وعوز ويعيش لوحده في ظروف لا انسانية الا وسارعنا الزمان بتنسيق طبعا مع السلطات المحلية والاقليمية لولوجه هذه المؤسسة، لمساعدته على تجاوز مشاكله بسهولة اولا وثانيا ادماجه في محيط المركز مع باقي النزلاء كاسرة واحدة ".
وأضاف أنه بالنسبة للنزلاء ، فإن هذه المؤسسة الاجتماعية توفر فضاء للمبيت والراحة والتغذية والملابس والمرافق الصحية والرعاية والمراقبة الطبية ،مشيرا إلى أن “عددا من النزلاء سبق لهم أن استفادوا من العديد من الدورات التدريبية في مجالات الحلاقة والطبخ، وذلك بشراكة مع مؤسسة التعاون الوطني”.
وأوضح المتحدث أن “مهمة المركز لا تقتصر على توفير الإيواء لفئات اجتماعية في وضعية هشة، بل أيضا إعادة إدماجهم الاجتماعي، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في وضعية الهشاشة، وذلك بهدف تعزيز شعور النزلاء بالانتماء الاجتماعي وجعلهم يجددون الثقة في أنفسهم”.
ولإضفاء البهجة قدر الإمكان على إقامة هؤلاء النزلاء،يضيف هشام ينظم المركز ، أنشطة ترفيهية واجتماعية وثقافية، خاصة خلال الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية، وذلك بهدف خلق جو مريح ودافئ وودي لصالح النزلاء المحرومين من المحبة والدفئ العائلي.
وحكى إبراهيم، وهو رجل ستيني من أزيلال حفرت التجاعيد أخاديد على وجهه ويحمل من الهموم ما لا يقدر عليه إنسان عادي، أنه تمكن من الالتحاق بهذا المركز الاجتماعي بعدما تخلى عنه أبناؤه في أرذل العمر وأخذ منه داء فتاك رجله اليمنى، منوها بكلمات عفوية بما يبذله هشام الذي ابتلى منذ طفولته بحب المشردين من جهود لاحتضان النزلاء والنزيلات المسنين وتعويضهم عن الدفء الأسري المفقود.
وتحدث إبراهيم عن حياته بالشارع والحزن يعلو محياه، متذكرا غدر الزمان وظلم ذوي القربى، موردا أنه لم يكن يخطر بباله يوما أن يكون نزيلا بهذا المركز في خريف العمر مع مختلين عقليا ومرضى وعجائز، لكونه كان أبا “طموحا وصلبا” يعمل بشق الأنفس لبناء أسرته الصغيرة قبل أن يتخلى عنه أبناؤه.
من جانبه، حكى عقا، وهو أربعيني منحدر من آيت امحمد بإقليم أزيلال، أنه كان يشتغل بإحدى الشركات، وفجأة فقد عمله وزوجته، و”لم أتذكر كثيرا من الأحداث التي جرت لي إلى أن وجدت نفسي في هذا المركز الذي احتضنني وسهر على مساعدتي منذ ثلاث سنوات … بصراحة، الوضع جيد هنا وأنا راض به، لأني بدأت أستعيد عافيتي بفضل رئيس المركز الذي كان يمدني بالأدوية التي أستعملها إلى حد الآن”.
أما “مي فاظمة”، التي انتهى بها القدر في عقدها السابع وحيدة في بيت من طين كاد أن يؤدي بحياتها لولا تدخل الجيران، فترفض الحديث مع أي كان باستثناء رئيس المركز.
وفي تصريح له، ذكر مصدر مسؤول في عمالة أزيلال أن “إحداث هذا المركز جاء نتيجة للحاجة الملحة على مستوى الإقليم لإيجاد حلول فورية وملائمة للصعوبات التي تواجه بعض الأشخاص في وضعية هشة، ويتعلق الأمر بالمسنين والأشخاص بدون مأوى والمتخلى عنهم من الآباء والأمهات”.
وأشاد المصدر نفسه بالتجربة المتميزة التي يتمتع بها رئيس الجمعية المدبرة لهذا المرفق الإنساني، الذي يعتبر الأول من نوعه على مستوى إقليم أزيلال في رعاية ومواكبة الأشخاص بدون مأوى، مشيرا إلى أن هذه المنشأة تحظى باهتمام خاص من طرف السلطات الإقليمية، وعلى رأسها عامل الإقليم محمد عطفاوي.
كما أبرز رئيس الجمعية أن “المركز الاجتماعي للأشخاص بدون مأوى لعب دورا رائدا خلال حالة الطوارئ الصحية التي أقرتها السلطات المختصة من أجل وقف انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن ذلك لم يشفع له في الحصول على دعم معقول من طرف الجهات المانحة، باستثناء دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلس الإقليمي لأزيلال الذي يتولى مسؤولية الإيواء والتغذية والإدارة”.
ومن بين الإكراهات التي تعيق عمل المركز، وفق هشام أحرار، مشكل التطبيب، ومصاريف العلاج والكهرباء والماء، والتكفل بالمرضى الذين يجدون صعوبة في الحركة، وعدم وجود سيارة إسعاف خاصة بالمركز لنقل الحالات التي يشتد مرضها في ساعات متأخرة من الليل ولإنقاذ حياة بعض المشردين، خاصة في موسم التساقطات الثلجية، في ظروف يكون من الصعب التواصل فيها مع المصالح المعنية.
ويعتبر مركز الامل للاشخاص في وضعية صعبة علامة بارزة وهامة في عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لفائدة المعوزين والفئات الهشة إنه مشروع ذو أبعاد اجتماعية كبيرة ، وأحد أعظم وأهم إنجازات المبادرة بإقليم ازيلال .
إن إحداث مثل هذه المؤسسات ذات الأثر الاجتماعي القوي أمر مرغوب فيه من قبل الجميع. لأنه علاوة على خدماتها الطبية والاجتماعية الحيوية، فإنها تشارك وتساهم في خلق قيمة إنسانية واجتماعية مضافة حقيقية.