السماء صافية زرقاء و الجو ربيع لطيف،و ما كان هذا المزارع الفكيكي يضع يوما في الحسبان أنه سيغادر ضيعته و للأبد، و هو الذي ارتبط بها ارتباط الرضيع بثدي أمه، فثلالثة عقود ليست بالهينة ،ولكن كانت كافية ليجعل منها جنة غناء بعدما كانت صحراء قاحلة زهاء أربعة مائة نخلة و بئر تتدفق ماءا عذبا سلسبيلا و بيت غدا يؤول أطلالاً .
حزم امتعته صحبة بنيه كرها و غصباً ،خضوعاً لأمر الجيش الجزائري الأرعن الذي لم يمهله كتيرا هو و جيرانه من ساكنة العرجة أولاد اسليمان ، ألقى إليهم بالإشعار و تولى لينصب له خيمة في الجبل المتاخم للبلدة ايدانا منه بالخبت و السم الذي يتهيأ لنفته في أجسادهم و أموالهم في حالة العصيان.
السيد عبد المالك رجل خير، طيب، طيبته من طيبوبة أهلنا في الشرق، يتكلم و هو يعتصر الألم في صدره و يكتمه عزة و كرامة و يخبرنا أن أحدا من ضباط الجيش الغاشم داهم ضيعته على حين غرة يأمره بالرحيل و يردد منتشيا : غدا يرتفع العلم الجزائري على ضهر بيتك و يرفرف ...
حينها لم يجد السيد عبد المالك جوابا مناسبا لكن ترك رسالة له و لأولياء نعمته، كتبها على باب و جدران بيته " حسبنا الله و نعم الوكيل" و تعهد بترك مصحفه و سجادته لمغتصب أرضه.
وكأني بالتاريخ يعيد نفسه و يفند زعم من ينفون ذلك : أليس النظام الجزائري من طرد آلاف العائلات المغربية من الجزائر صبيحة عيد الأضحى في منتصف سبعينيات القرن الماضي؟
و لماذا تم اقتحام أراضي فكيك في هذه الظرفية بالذات ؟
أصبح معروفا في سياسة تسيير الأزمات الداخلية أن الدول تسعى جاهدة لخلق عدو موحد لشعوبها حتى توحدهم و حتى تلهيهم و تنسيهم الإحتجاجات و البطالة و الفساد و المطالبة بالإستقلال السياسي و الإقتصادي... ؛ فتقوم بخلق الإرهاب، الإسلاميين، القاعدة، داعش، الدولة الإسلامية... و النظام الجزائري خلق من المغرب عدوا...
و لا أظن أن الشعب الجزائري نسي العشرية السوداء و كيف أن النظام الجزائري أوقعه في مستنقع الدم...
كلنا مع الشعب الجزائري و كلنا مع استقلاله و تحرره.