أزيلال زووم/ محمد كسوة
نوقشت مساء يوم الثلاثاء 25 ماي 2021 م، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب تقدمت بها الطالبة الباحثة سعيدة سوهال، بوحدة التكوين: الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية مختبر: المقاصد والحوار للدراسات والأبحاث في موضوع:" فلسفة الفطرة الإنسانية بين مقتضيات الوحي ومعطيات الفكر المعاصر: دراسة تحليلية مقارنة"، وتشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
_ الأستاذ الدكتور: إبراهيم رضا، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، رئيسا.
_ الأستاذ الدكتور: عبد الرحمان العضراوي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، مشرفا ومقررا.
_ الأستاذ الدكتور: سعيد شبار، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، عضوا.
_ الأستاذ الدكتور: محمد النصري، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، عضوا.
وبعد العرض والمناقشة قررت اللجنة العلمية بعد المداولة قبول الأطروحة شكلا، وفي الموضوع منح الطالبة الباحثة سعيدة سوهال درجة الدكتوراه في الآداب بميزة مشرف جدا.
ومما جاء في تقرير الباحثة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، الذي بعث رسله بدين الفطرة، التي فطر الناس عليها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي أرسل بفطرة الإسلام وختم به النبيون وأكمل به الدين صونا لفطرة للعالمين.
سيدي رئيس الجلسة العلمية المباركة، فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم رضا
أصحاب الفضيلة؛ السادة الأساتذة الأجلاء أعضاء اللجنة المحترمون: أستاذي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العضراوي، أستاذي فضيلة الأستاذ الدكتور سعيد شبا، وأستاذي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الناصري.
السادة الحضور الكرام؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي يسر وأنعم وأكرم، أكرمني بإنهاء هذا البحث بعد سنوات طوال، ويسر لي المثول بين يدي هذه اللجنة العلمية المباركة ليأخذ البحث نصيبه من التقويم والتصويب والتصحيح، فبارك الله فيكم أساتذتي الأجلاء وجزاكم الله عني خير الجزاء.
اسمحوا لي أولا قبل أن أبسط فقرات هذا التقرير؛ عرفانا واعترافا بالفضل لأهله أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكل أساتذتي الأجلاء في وحدة الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية الذين ما بخلوا بكريم أخلاقهم، وبعظيم جهدهم وعلمهم لخدمة العلم وطلبته، فجزاهم الله خير الجزاء.
واسمحوا لي ثانيا أن أخص بالعرفان لأستاذي الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العضراوي الذي شرفني بإشرافه على هذا البحث وتوجيهه الكريم تأطيرا وتقويما ونصحا، فلم يدخر جهدا في نصحي وتأطيري لساعات طويلة كان بعضها في أيام العطل الجامعية فجزاكم الله أستاذي الجليل خير الجزاء وجعل عملكم في توجيه الطلبة في ميزان حسناتكم.
أيها الأفاضل الأجلاء
لقد اخترت البحث في موضوع:"فلسفة الفطرة الإنسانية بين مقتضيات الوحي ومعطيات الفكر المعاصردراسة تحليلية مقارنة"
راهنية هذا الموضوع تأتي في سياق التحولات الراهنة في خضم عودة الميتافيزيقا، وحاضرية الدين، وراهنية سؤال المبدأ والمعاذ، وسؤال المشترك الإنساني والقيم الكونية والأخلاق الإنسانية الفطرية، إضافة إلى أن سؤال الفطرة يعود مجددا مع التصور المتكامل للعقل، وكلها نطاقات المعرفة الإنسانية التي تم استبعادها من قبل الفكر الغربي المعاصر الذي وقع في الإختزال والتشييء لكينونة الإنسان، وعليه؛ فإن هذا البحثَ يأتي للمساهمة في وضع تصور متواضع لتشكيل نموذج توجيهي أو ما يسمى ب (paradigm) على اعتبار أن الفطرة بمنظومة قيمها المركزية، هي مرجعية الهوية الإنسانية المشتركة القادرةِ على إعطاءِ تفسيرات تستقيها من الجانب الغيبي الذي يشكل دعامة قوية لتكوينها، ويزكيها الوحي برؤيته المهيمنة.
انطلاقا من هذا المدخل، فالسؤال الإشكالي المؤطر للبحث هو:
كيف يمكن بناءُ فلسفة الفطرة الإنسانية المُؤَسَّسَة على المرجعية القرآنية؛ تكون قادرةً على المساهمة في بناء فكر يضاهي الفكر الماديَّ والواحديَّ المختزِلِ للإنسان؟
ويندرج تحت هذا الإشكال المركزي مجموعة من التساؤلات الفرعية أجملها فيما يلي:
ـ ما مدى أهمية مفهوم الفطرة في تجديد التفكير الفلسفي حول مشكلات الإنسان؟
ـ إلى أي حد يمكن اعتبار "الفطرية" خاصية منهاجية مميزة لطبيعة الخطاب القرآني، ومدخلا مقترحا لتجديد قراءته وتثوير معانيه؟
ـ الآية المؤطرة للبحث في قوله تعالى ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ﴾[1] تدل على أن الدين الحق معادل للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها؛ فماهي تمظهرات هذا التكامل؟ وكيف يكون دين التوحيد الحق، معادلا في حقيقته وأحكام شريعته لهذه الفطرة البشرية؟
ـ ماهي الأسس المرجعية والتصورية التي تنبني عليها فلسفة الفطرة الإنسانية في الفكر الإسلامي المعاصر وهل حملت كتابات المفكرين المعاصرين أمثال بديع الزمان سعيد النورسي ومحمد إقبال وطه عبد الرحمن رؤية متجددة حول مفهوم الفطرة؟
ـ ما علاقة الفطرة بنظرية المعرفة ومنهجية التكامل المعرفي ومقاصد التشريع؟
ـ كيف تسهم الفطرة في تعزيز الأصول الكبرى للمشتركات الإنسانية وفي بناء حقوق الإنسان وماهي أهم الفروقات بين الحق الطبيعي والحق الفطري؟
وقد اطلعت الباحثة على عدد من الدراسات السابقة التي تناولت موضوع الفطرة بمقاربات مختلفة عند العلماء المسلمين وغيرهم، وعرضت في تقريرها أهم نقط التلاقي والاختلاف بين دراستها وتلكم الدراسات التي اختارت منها الدراسات الآتية:
_ "مفهوم الفطرة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي(نظرة تربوية)" وهي رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير في التربية الإسلامية، من إعداد: عبد الله البيشي، جامعة أم القرى.
_ "الفطرة الإنسانية والشريعة الإسلامية دراسة في المفهوم والعلاقة" وهي رسالة أعدت لنيل دبلوم الدراسات العليا في علوم القرآن، من إعداد: عبد الرحمن العواد، جامعة المولى إسماعيل، مكناس.
_ "الفطرة في ضوء مصادر التشريع الإسلامي ومقاصده" وهي رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير في الفقه الإسلامي وأصوله، من إعداد: هشام أسامة منور، جامعة دمشق.
_ مفهوم الفطرة عند طه عبد الرحمن، عبد الجليل الكور، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، بيروت، الطبعة الأولى 2017م.
_ الفطرة حقيقتها ومذاهب الناس فيها، علي عبد اللـه القرني دار الـمسلـم، الرياض، ط 1، 2003م.
_ مفهوم الفطرة: دراسة نقدية لـمقالات الإسلاميين، عثمان مصباح، منشورات معهد الغرب الإسلامي، ط 1، 1433هـ-2012 م.
_ الإيمان فطرة دراسة للإيمان الفطري في القرآن والسنة وكثير من الملل والنحل، عمر الفاروق عبد الله، دار الفقيه للنشر والتوزيع، أبو ظبي، ط1، 2014م.
وللإحاطة بإشكالية الدراسة اعتمدت خطة بحثية تضمنت مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة،
بينت في المقدمة أهمية الموضوع، ودوافع الكتابة فيه ومنهجية البحث المتبعة وخطة الرسالة.
ويأتي الباب الأول الموسوم ب"فلسفة الفطرة الإنسانية في الوحي" في فصلين خصصت الفصل الأول لدراسة المفاهيم المؤطرة للبحث، وقد حاولت تتبع تطور مفهوم الفطرة بدءا عند علمائنا المتقدمين رحمهم الله إلى بعض المفكرين المعاصرين، ثم تتبعت شبكته العلائقية مع مفاهيم ذات صلة وصلا وفصلا. وأفردت الفصل الثاني لبناء فلسفة الفطرة في القرآن الكريم والحديث الشريف؛ مبرزة التكاملية بين هداية الوحي وهداية الفطرة؛ وموضحة المنهج الفطري في الخطاب القرآني.
أما الباب الثاني فقد وسمته ب"فلسفة الفطرة الإنسانية بين التداول الغربي والتداول العربي الإسلامي" (مدارس ونماذج)، تناولت فيه الفطرة بين التداول الغربي والتداول العربي الإسلامي، وقد قسمته إلى فصلين، جاء الفصل الأول لمقاربة الأسس المرجعية والتصورية للطبيعة الإنسانية في الفكر الغربي ومقارنته بمفهوم الفطرة الإنسانية عبر نماذج منتقاة؛ ولم يكن همي في هذا الفصل أن أعرض للفلسفة الغربية بالتفصيل والتحليل والنقد، ولكن المقصد هو عرض موجز لنظرية الطبيعية البشرية في نماذج من الفلسفات الغربية المعاصرة وبيان أوجه اختلافها ونقط التقائها مع فلسفة الفطرة الإنسانية.
أما الفصل الثاني من هذا الباب فقد عمدت فيه إلى تحليل فلسفة الفطرة في الفكرالإسلامي،عبر تحليل نماذج ورؤى فلسفية تنطلق من الرؤية المعرفية القرآنية، تمثلت في رؤية كل من سعيد النورسي ومحمد إقبال وطه عبد الرحمن.
وحمل الباب الثالث عنوان: فلسفة الفطرة الإنسانية في ضوء الرؤية المقاصدية والمعرفية القرآنية، وانتظمت عناصر هذا الباب في فصلين الأول موسوم ب:"فلسفة الفطرة الإنسانية في ضوء الرؤية المقاصدية القرآنية" حاولت أن أوضح أن نظرية المقاصد الشرعية قائمة على مفهوم الفطرة؛ فالمقصد العام من التشريع لا يعدو أن يساير الفطرة، وعليه فإن مصطلح الفطرة من المصطلحات التأسيسية في البناء النظري للمقاصد الشرعية، ويمكن اعتباره من مسالك الكشف عن المصالح والمفاسد، ويمكن اعتبار دور الفطرة أنه يتكامل ويتمم دور النصوص الشرعيةفيالكشفعنالمقاصد.
والفصل الثاني كان عنوانه:"فلسفة الفطرة الإنسانية في ضوء الرؤية المعرفية القرآنية".وضحت من خلاله علاقة الفطرة بنظرية المعرفة ومنهجية التكامل المعرفي.واعتبار الفطرة من الأصول الكبرى للمشتركات الإنسانية، وأساسا لبناء حقوق الإنسان.
وأخيرا أنهيت البحث بخلاصات تركيبية جامعة لمجمل ما توصل إليه البحث و منها مايلي:
_فلسفة الفطرة الإنسانية هي الرؤية التي يمكن أن تسعفنا بها الفطرة لفهم الوحي والكون والإنسان والعلاقة الجدلية بينهما، وجعل وجود الإنسان وفعله موصولين ب "الخلق والأمر الإلهيين" مما يرسخ ثنائية الخالق والمخلوق الغائبة في الفكر الغربي المؤسس لحضارة "الإنسان الإله".
_ فلسفة الفطرة الإنسانية تسمح بالانفتاح على التفكر الآيوي وتتبع الحركة الروحية والقصدية من وراء الوجود (عالم الشهادة) وعليه فإنها ترتكز على إعادة الاعتبار لعالم الغيب.
_ الخطاب القرآني خطاب فطريبالدرجة الأولى لأنه يخاطب ويعالج الكيان البشري بكل مكوناته سواء فطرته الجسدية أو فطرته الروحية. وعليه فإننا بحاجة إلى بناء جسر للتكامل بين الخطاب الأحكامي الفقهي ونوع جديد من الخطاب، وهو ما يمكن تسميته ب "الخطاب الفطري" يرعى القيم العليا الحاكمة ومقاصد وروح الإسلام ويرد الاعتبار للكليات القرآنية الموافقة للفطرة الإنسانية.
_ ربط الخطاب القرآني فعل الهداية بالفطرة، لأن الاهتداء للمعرفة اليقينية وللدين الحنيف إنما يتم بأدوات هذه الفطرة وصوتها، وعليه فقد أكد القرآن الكريم أهمية التذكير بحقيقة المرجعية الفطرية الإيمانية التي يجب على الإنسان أن يهتدي بها حتى لا يكون هدفا سهلا للعوارض التي يمكن أن تضيعه وتطمس فطرته، يقول تعالى:﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾[2] . و قول الله تعالى إن الدين القيم هو هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها يعني أنه يعادلها معرفيا، لأن الوحي الإلهي فطرة من الخارج في حين أن الفطرة وحي إلهي من الداخل، وعليه فإن الدين يأتي وفق الفطرة الإنسانية وفي المقابل فإن الفطرة تجيء على وفق تعاليم الدين الحق.
_ ضرورة تأسيس منظومة حقوق الإنسان على الفطرة الإنسانية عوض القانون الطبيعي لأن ذلك يربطها بالمرجعية الدينية المطلقة التي تعلو على جميع المرجعيات الوضعية؛ كما وأنها تأصل للمشتركات الإنسانية التي تؤسس لعلاقات إنسانية مبنية على التعارف والتآخي والعدل والمساواة بين الناس جميعا.
وفي الختام توجهت الطالبة بخالص شكرها وعظيم امتنانها للأستاذ الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العضراوي على إشرافه وكريم توجيهه لمسار البحث طيلة سنوات العمل والاشتغال عليه، وعرجت على تجديد الشكر لكل أعضاء اللجنة العلمية على قبولهم مناقشة البحث، وتحملهم مشاق قراءته على ما فيه من هنات وقصور، وأعربت عن سعادتها الغامرة لما سيتفضلون به عليها من توجيهات وملاحظات، ستعمل بها بحول الله تعالى قصد تجويد البحث وتحسينه. ولم تفوت الفرصة لتوجيه الشكر الجزيل لكل السادة العمداء السابقين للكلية العامرة وللسيد العميد الحالي الذين دأبوا على دعم البحث العلمي في الكلية، وللرئيس السابق لمصلحة الدراسات العليا، والسيدات الموظفات بالمكتبة على ما يقدمونه من خدمات جليلة للطلبة الباحثين.
[1]ـ سورةالرومالآية: 30.
[2]ـ سورة الزخرف، الآية: 27